هل الأكلات الشعبية صحية أكثر من غيرها؟ وما علاقتها بزيادة الوزن والسمنة

مقال نقدي يتناول تقييم الجانب الصحي للأكلات الشعبية في السعودية، ويحلل تأثيرها على زيادة الوزن، كاشفًا المفارقة بين التراث الغذائي والحقائق العلمية، مع تحليل تفصيلي لمكونات بعض أشهر الأطباق السعودية.

هل الأكلات الشعبية صحية أكثر من غيرها؟ وما علاقتها بزيادة الوزن والسمنة
هل الأكلات الشعبية بريئة؟ كشف علاقة الموروث الغذائي بزيادة الوزن في السعودية


الأكلات الشعبية: حين تتحوّل الذاكرة الجمعية إلى وصفة غذائية خادعة
بين التغذية والهوية، من المسؤول عن خرافة "الوجبات الشعبية الصحية"؟

في زمنٍ تتقاطع فيه الخطابات الصحية مع الرموز الثقافية، ويُختلط فيه الحنين بالحقائق، تبرز الأكلات الشعبية ككيانات غذائية لا تُقوّم بمحتواها، بل تُقدّس بتاريخها. وعليه، فإن سؤال "هل الأكلات الشعبية صحية؟" يبدو في ظاهره بسيطًا، لكنه يغوص في عمقه إلى مفترق طرق معرفي، حيث تتقاطع الذاكرة المجتمع مع العلم الحديث، وحيث يُعاد تعريف "الصحة" ليس فقط في ضوء السعرات والعناصر الغذائية، بل في ضوء التصورات المتراكمة والمجاملات الاجتماعية الخجولة.

فمن أين جاءت خرافة "أن الأكلات الشعبية صحية بطبعها"؟ وهل هي خرافة نابعة من الجهل الغذائي فقط، أم من خلل أعمق في فهم العلاقة بين الإنسان وموروثه؟

الحقيقة أن هذه الخرافة لم تُولد فجأة، ولم تُبنَ على معلومة علمية، بل نشأت بهدوء وتسللت بلباقة إلى الخطاب العام، متّكئة على ثلاث روافع ذهنية قوية:

  1. قدسية الماضي وحنين الطفولة:
    حيث يُقدَّم كل ما هو قديم باعتباره أصيلًا، وكل ما هو أصيل باعتباره نقيًا وصحيًا، دون مساءلة تركيبته أو ظروف نشأته. وكأن الطعام الشعبي هو امتداد أخلاقي لتاريخ الأمة، لا وصفة طعام قابلة للتحليل.

  2. مقارنة خادعة مع الوجبات السريعة:
    إذ يُصوّر الطعام الشعبي كبديل "أفضل" لمأكولات العصر الصناعي. صحيح أن بعضها لا يحتوي مواد حافظة أو ألوانًا صناعية، لكنه – بالمقابل – قد يحتوي كميات ملح ودهون مشبعة وكربوهيدرات مكررة تفوق الحد الموصى به بأضعاف.

  3. التباس الهوية بالصحة:
    فقد أصبحت بعض الأطباق رموزًا للهُوية الثقافية، وبالتالي فإن نقدها يُفهم ضمنيًا كنقد للانتماء. ومن هنا، يصبح من الصعب – اجتماعيًا ونفسيًا – أن نقول إن طبق "كشري" أو "مندي" أو "مطبق" قد يكون ضارًا، لأن ذلك يُلامس اللاوعي الجمعي المرتبط بالبيت، والأم، والدفء، لا فقط بالمعدة.

ولعل أخطر ما في هذه الخرافة أنها تقفز فوق العلم، وتُلبس الموروث ثوب الصواب المطلق. فتجد من يُبرر استهلاك الأكلات الشعبية تحت ذريعة "أجدادنا أكلوها ولم يُصبهم شيء"، متناسيًا أن نمط حياتهم كان مختلفًا جذريًا: حركتهم أكثر، أعمارهم أقصر، الأمراض المزمنة لم تُشخّص كما اليوم، ونظامهم الغذائي كان يفرضه الفقر لا الوعي.

بل الأدهى من ذلك أن بعض هذه الأطباق لم تكن تُتناول يوميًا أصلاً، بل كانت "وجبات مناسبات"، تُقدّم في الأعراس والضيوف والعطل، فتحوّلت مع الوفرة الحديثة إلى "روتين غذائي"، وكأننا نأكل احتفالًا كل يوم، دون أن نحتفل بشيء.

ومن زاوية أخرى، تُظهر التحاليل الغذائية الحديثة أن كثيرًا من الأكلات الشعبية تُقدّم مزيجًا غير متوازن من المكونات: كربوهيدرات مرتفعة، مع دهون مشبعة، ونقص في الألياف والبروتين عالي الجودة. وهذه التركيبة لا تختلف كثيرًا عن "الوجبات السريعة" من حيث أثرها التراكمي على السمنة، السكري، أمراض القلب، واضطرابات الجهاز الهضمي.

بين التراث والحقائق: تشريح الأطباق الشعبية السعودية تحت مجهر التغذي

إذا كانت الأكلات الشعبية هي مرآة ثقافية تعكس تاريخ الناس، فالمفترض أن تكون أيضًا مرآة تُظهر لنا أثر هذا التاريخ على الصحة. والحق أن تحليل هذه الأطباق – بعيدًا عن قدسيتها الرمزية – يكشف عن صورة أكثر تعقيدًا مما نحب أن نعتقد.

فيما يلي تحليل نقدي مختصر لمحتوى بعض الأكلات الشعبية السعودية، بافتراض تناول 200 جرام منها، متأملين ليس فقط السعرات، بل التوازن الغذائي، ونوع الدهون، ومؤشر السكر، والمحتوى البروتيني، لنرصد كيف تختبئ المفارقة أحيانًا في قعر الطبق:

1- الجريش (300 جم)
مزيج القمح المجروش مع اللبن والسمن أو الزيت.

  • السعرات الحرارية: 330–390

  • كربوهيدرات: مرتفعة

  • دهون مشبعة: معتدلة إلى مرتفعة (حسب نوع الدهن المستخدم)

  • بروتين: مقبول
    التحليل: طبق دافئ ومشبع، لكن دهونه وكربوهيدراته تتضاعف مع زيادة الكمية. تناوله بكثرة يضيف وزنًا ببطء وثبات.

2- المعصوب (300 جم)
موز، خبز بر، سكر أو عسل، قشطة أو زبدة.

  • السعرات الحرارية: 520–600

  • سكريات وكربوهيدرات: عالية جدًا

  • دهون: مرتفعة
    التحليل: وجبة لذيذة و"مخادعة" تجمع الطابع الصحي (الموز) مع التفجير السكري. ترفع الإنسولين بسرعة وتؤدي لتخزين الدهون.

3- المرقوق (300 جم)
عجينة مطبوخة مع مرق وخضار ولحم.

  • السعرات الحرارية: 400–450

  • كربوهيدرات: عالية

  • دهون: متوسطة

  • خضار: تساعد في التوازن
    التحليل: وجبة دسمة قابلة للتخفيف، لكن العجينة تجعلها ثقيلة على الجهاز الهضمي إذا زادت الكمية. خيار مشبع لكنه غير مثالي يوميًا.

4- الكبسة بالدجاج (300 جم)
أرز مع دجاج مطهو في مرق وتوابل.

  • السعرات الحرارية: 480–550

  • كربوهيدرات: عالية (أرز أبيض)

  • دهون: تعتمد على طريقة الطهي

  • بروتين: جيد (مع إزالة الجلد)
    التحليل: الطبق الشعبي الأبرز، لكنه غني بالسعرات عند زيادة الكمية. تناوله اليومي في هذه الكمية يسهم في زيادة الوزن بصمت.

5- السليق (300 جم)
أرز بالحليب والزبدة مع دجاج.

  • السعرات الحرارية: 500–570

  • دهون: عالية (خاصة مع الزبدة)

  • بروتين: معتدل

  • ألياف: شبه معدومة
    التحليل: قوامه الكريمي يجعله سهلاً في التناول وصعبًا في الهضم. يُشبع النفس لا الجسد، ويرفع السعرات دون مقاومة.

6- الهريس (300 جم)
قمح مهروس مطبوخ مع لحم أو دجاج.

  • السعرات الحرارية: 390–440

  • كربوهيدرات: معتدلة

  • دهون: منخفضة نسبيًا

  • بروتين: جيد
    التحليل: من أفضل الأطباق من حيث القيمة الغذائية عند تحضيره بدون دهون زائدة. مشبع ومستقر في سكر الدم.

7- الحنيني (300 جم)
تمر مع طحين وسمن، أحيانًا يُضاف له الزبدة أو القشطة.

  • السعرات الحرارية: 600–700

  • سكريات ودهون: مرتفعة جدًا

  • ألياف: جيدة نسبيًا
    التحليل: طبق شتوي دافئ وسكّري الطابع. يُشبه "الحلوى المقنّعة بطابع تراثي". تناوله بهذا الحجم يحرق ميزانك قبل أن يحرقه جسمك.

8- الثريد (300 جم)
خبز مغموس في مرق اللحم أو الدجاج مع بعض الخضار.

  • السعرات الحرارية: 450–500

  • كربوهيدرات: مرتفعة

  • دهون: معتدلة

    ألياف: قليلة
    التحليل: من الأطباق المرتبطة بالتقاليد الدينية والاجتماعية، لكنه لا يُناسب الحياة اليومية إذا استُهلك بكميات كبيرة. يُشبع نفسيًا أكثر مما يُغذّي جسديًا.

ما بين 400 إلى 700 سعرة حرارية في وجبة واحدة، تقف الأكلات الشعبية شاهدة على علاقة مضطربة بين الهوية والغذاء. الكمية تصنع الفارق، والموروث لا يعفي من المحاسبة. في النهاية، ليست القضية أن نمنع الأكلات الشعبية، بل أن نُعيدها إلى حجمها الطبيعي: تجربة اجتماعية رمزية، لا عادة غذائية يومية.